أنبياء يأتون بعد المسيح

لا تعتمد صحة علاقتنا مع الله على اسم يحمله نبي، أو موضوعات يتصف بها، أو اسم يطلقه على مذهب يؤسسه ويدعو إلى إتباعه، أو على مبادئ يجمعها من هنا وهناك أو يجتهد في وضعها وتركيبها - مهما بدت نافعة أو حكيمة - أو على فئة أو جماعة يعمل من خلالها، ولكنها تعتمد على الله نفسه وخطته للبشرية، وعمله في التاريخ، والمرحلة التي وصل إليها الإعلان الإلهي للبشر، والحالة الروحية لهم، وأخيراً على اختيار الله للشخص المناسب للقيام بالدور الذي سبق أن رسمه له .

الأنبياء ليسوا هدف الله: 
 
 لم يكن إرسال الله للأنبياء هدفاً في حد ذاته، لقد كانت حياة الأنبياء وأعمالهم ورسالاتهم جزءاً من عمل الله في التاريخ، لم يصوغوا التاريخ أو يوجهوه أو يغيروه، لكنهم كانوا أدوات في يد الله يعلن من خلالها عن ذاته ومقاصده، ويفسر معاملاته مع البشر ويوضح موقفه من تصرفاتهم ومدى توافقها مع مقاييسه، ويحدد مطالبه ووصاياه وتحذيراته وتوجيهاته لهم حسب مستوى النور الذي وصلهم منه، لهذا نرى تدرجاً في إعلان الله عن ذاته مع مرور الزمن وازدياد قدرة الإنسان واستعداده لتلقى مزيد من الإعلان عنه، والهدف من كل هذا هو أن يضع الله أساساً لعلاقة سليمة بينه وبين البشر بعد أن يخلصهم من عبوديتهم للخطايا والآثام التي تنهش أرواحهم، وتقف حائلاً بينهم وبين معرفتهم وعبادتهم له، وقد اهتم الله بأن يشرح للناس على مدى قرون طويلة طبيعة هذا الخلاص الذي يعمل على تحقيقة، فأعمال الله التي يقوم بها هي مركز الاهتمام، وليس الأنبياء، وهذا أمر طبيعي لأن الله لا يريد أن يشاركه أحد مجده فهو يقول "مجدي لا أعطيه لآخر"(أشعياء 42: 8) . 

الحاجة إلى مخلص: 

 ولم يكن هدف الله والحال هذه إرسال كتب سماوية، وتمييز كل نبي يخصّه بكتاب معين، فعلى الرغم من أهمية الرسالة التي يحاول الله إيصالها للبشر بما تحمله من تنوير وتبصير، فإن قصد الله لا يتحقق بمجرد إرسال تعاليم أو وصايا جديدة أو أنبياء جدد، فالكلمة الموحاة المكتوبة، عل الرغم من قوتها وفاعليتها فيه، ومصداقيتها، لا تستطيع أن تقوم بتخليص البشر من بحر الآثام الذي يتخبطون فيه، فالغرقى أولاً لا يحتاجون إلى دليل لتعليم السباحة، ولا حتى إلى تقليد سبّاح ماهر، ولكنهم يحتاجون أولاً وقبل كل شيء إلى شخص يتطوع بنفسه لإنقاذهم وحملهم إلى بر الأمان، ولا مانع بعد ذلك من إتباع تعليماته وتقليد حركاته الصحيحة في السباحة، فقد يحتاجون ذلك في رحلاتهم البحرية المقبلة، وهذا ما فعله السيد المسيح حين جاء بنفسه إلى عالمنا لإنقاذنا من خطايانا وقوتها وتسلطها وعقابها المخيف بهلاكنا الأبدي في الجحيم، وهذا هو الفرق الجوهري بين المسيح وبين غيره من الأنبياء . 

الخلاص ثم الكتاب: 

ولقد أوحى المسيح إلى رسله وتلاميذه أن يكتبوا العهد الجديد بعد أن صنع الخلاص العظيم، وهكذا فقد أعطانا السيد المسيح خلاصاً ثم كتاباً فنحن من أهل الخلاص، قبل أن نكون من أهل الكتاب، فعلاقتنا بالله تتجاوز مجرد الإيمان بكتاب أوحى به. 

أصل الأنبياء: 

لقد ضيّق الله قناة النبوة التي استخدمها في إيصال إعلاناته للبشر، فقد اختار، وهو السيد الرب الحكيم، أن يرسل إلينا كل أنبيائه من الشعب اليهودي، ولا يلزم هذا أن يعنى بأي حال من الأحوال، تفضيله لهم على غيرهم من البشر، فكلهم خلقه وصنع يديه، ولكن ذلك يعنى تحميلهم مسؤولية كبيرة تتضمن المساءلة. يقول لهم في عاموس 3: 2 "إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض، لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم". فحين تحدث موسى عن النبي العظيم المنتظر الذي تُنهي نبوته كل نبوة، قال "يقيم لك الرب الإله نبياً من وسطك (أي من بنى قومك) من إخوتك مثلي له تسمعون "(تثنية 18: 15) ولقد أكد السيد المسيح على حصر النبوة في اليهود، وهو الذي وُلد من امرأة يهودية، فقال مخاطباً المرأة السامرة "الخلاص هو من اليهود"(يوحنا 4: 22). ويؤكد الرسول بولس في موضع آخر هذه الحقيقة فيقول "الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد أمين"(رومية 9: 4،5) وهو لا يعنى بطبيعة الحال أن النبوة في متناول كل شخص يهودي، وقد حذّر الله من مثل هؤلاء فقال "النبي الذي يطغى فيكم فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي"(تثنية 18: 20).
 
هدف حصر النبوة: 

 ولا يترتب على حصر النبوة في اليهود حصر الإيمان بهم واستثناء غيرهم من الخلاص، فالخلاص كما يقول الكتاب المقدس هو "لكل من يؤمن"(رومية 1: 6). فالله الذي لا يُحابى الوجوه لا يرفض أحداً بسبب جنسه أو قوميته أو أي عامل أخر، ولكن هذا الحصر في النبوة أفاد تحديد مسؤولية حفظ الأسفار المقدسة والتواتر، وتبيان تدرج الوحي وتواصله ووضع مؤشرات واضحة للاتجاه الذي يعمل نحوه الله .

المسيح موضوع النبوات: 

 لقد وجه العهد القديم وأنبياؤه أنظار البشر إلى المسيح المنتظر الذي سيحقق للبشرية الخلاص من الآثام والخطايا، وتصحيح علاقة الإنسان مع الله، ولهذا فقد كانت نبوة الأنبياء جزئية مرتبطة بالمسيح ودوره الذي سيقوم به مستقلاً. ولقد أصبح المسيح موضع النبوات ومُشتهى الأجيال وحلم الناس، لأنه سيحقق كل مقاصد الله وأغراضه وأهدافه. 

كمال الإعلان الإلهي: 

وقد اكتملت النبوة في المسيح، فقد جسّد كل النبوات التي سبقته، وحقق أحلام البشرية في الخلاص وروى أشواق الناس لمعرفة الله. فبعد أن كان الناس يعرفون عن الله من الأنبياء، أصبحوا يعرفونه شخصياً في المسيح الذي يحمل نفس طبيعته. فقد سبق أن قال الله عنه "إن اسمي فيه "(خروج 23: 21)، وأوضح الرسول بولس هذا الفرق بقوله "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه"(عبرانيين 1: 1). لقد حصلنا في المسيح على أكمل معرفة وأوفى صورة متاحة لنا عن الله فالمسيح لم يقل عبثاً "الذي رآني فقد رأى الآب"(يوحنا 14: 9) .

لا دور للأنبياء: 

لقد حقق المسيح كل ما أراد الله تحقيقه لنا، ولهذا فإنه لا مجال لأي شخص مهما كان عظيماً أن يضيف شيئاً إلى ما فعله المسيح، أو يعدل شيئاً عليه، فبعد أن وصلت النبوة إلى قمتها وحققت غايتها، لا يجوز لها أن تتراجع . 

لا يوجد آخرون: 

 لقد أوضح المسيح عن الأنبياء، رداً على سؤال يوحنا المعمدان "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟"(لوقا 7: 7) بأنه لا مجال لآخر، لأن مؤهلاته لا تُوفرَ لغيره، فقال "طوبى لمن لا يعثر في"(لوقا 7: 23) . 

أنبياء آخر الزمان: 

 وتحدث المسيح عن الأنبياء الذين سيأتون في أخر الأيام فقال "فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أنا هو المسيح ويضلون كثيرون"(متى 24: 5) وقال "ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين"(متى 24: 11) .

وأخيراً لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الغرض الأسمى من الدين هو تغيير الإنسان بقصد الوصول إلى الله وضمان الخلاص من العذاب الأبدي في جهنم والحصول على يقين الحياة الأبدية وإعطائنا سلاماً كاملاً في قلوبنا، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين نحصل على كل هذه الأمور؟ فالمشكلة ليست في اسم الدين الذي نتبعه، وإنما في حقيقة ما يقدمه لنا، قال السيد المسيح "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟"
لكل منا ملء الحرية، وعليه كل المسؤولية أمام الله.

أنصحك بأن تفكر من جديد

0 التعليقات:

إرسال تعليق

أثبت وجودك لا تقرأ وترحل

انضم الينا بالضغط هنا :

المواضيع الساخنة :

موضوع عشوائى

.
يرجى الانتظار ...
.